يوم سقوط بغداد

     La Chute De Baghdad

 

غطت سحب الكآبة قاعة الاجتماع يوم الجمعة 9 أفريل كما غطت سماء الجزائر ومدنها وقراها عقب سقوط بغداد. وجوم المحررين هو نفسه وجوم المواطنين في البيوت والشوارع والمقاهي والمكاتب والحافلات. تجمدت الكلمات في الأفواه والنظرات في العيون.  توقف الحديث والحوار فلا جدوى الآن من الكلام. هزيمة في معركة فرضت علينا بين الدكتاتورية والاحتلال واكتوى بنارها واحترق بأوارها الشعب العراقي المسكين ونحن عاجزون عن فعل أي شيء. قرأ عبد الحفيظ افتتاحية هذا العدد الخاص. كان العنوان الكبير في الصفحة الأولى سقوط بغداد ثم عنوان فرعي تحته:

"العرب يشيعون جنازة الجامعة العربية، والإنسانية تشيع جنازة الأمم المتحدة."

أما الافتتاحية التي كتبت بخط كبير وأخذت كامل الصفحة فجاء فيها:

    "يومان كئيبان في حياة العرب والمسلمين المعاصرة وحياة الإنسانية جمعاء يوم سقوط القدس عام 1967 ويوم سقوط بغداد عام 2003. يومان انهارت فيهما كل القيم والمثل ومرغت فيهما مبادئ الأمم المتحدة وحقوق الإنسان في الوحل.

    سقطت بغداد الحضارة والرمز. عصابة دينية متطرفة وعصبة عسكرية دموية لا تأبه بأرواح الآخرين ولا بأرواح مواطنيها تولت قيادة أقوى دولة في العالم وشنت حربا أوهمت العالم أنها ضد الإرهاب والديكتاتورية ولكنها حرب دينية عنصرية خطط لها من يعتبرون كل من ليس منهم دمه وأرضه وماله حل لهم.

    يوم سقطت بغداد بيد "هولاكو" سقطت الحضارة بيد الهمجية والبربرية. ويوم سقطت بغداد بيد جنود "بوش" سقطت دكتاتورية "صدام" بيد دكتاتورية أعتى منها، دكتاتورية دينية عنصرية مقنعة بثوب الديمقراطية والحضارة. لذلك لم يفرح العراقيون بمجيء بوش لأنهم أدركوا غايته في هدم حضارتهم ومقوِّماتها لا في زحزحة صدام.

    إنه ككل الغزاة يريد أن يتفوق عنصره ودينه لذلك قاومه العراقيون وكل الأحرار في العالم وفي أمريكا نفسها، وقاوموا عصبته وحلفاءه لأنهم رأوا فيه خطرا حقيقيا على السلام والديمقراطية والتعايش بين الشعوب والأعراق والأديان. سقطت بغداد وسقطت معها هياكل الجامعة العربية وهياكل منظمة الأمم المتحدة ولكن روح الجامعة وروح الميثاق وروح الإنسانية لم تمت ولم تسقط وما تزال ترفض الظلم وتقاومه.

    سقطت بغداد، ولكن لن تسقط حضارتنا ومقوماتها لأن روحنا ما تزال صامدة. ومازال شعراؤنا وأدباؤنا وصحفيونا ومفكرونا وفنانونا يرفضون الاستسلام. سقطت بغداد وسقط معها الساسة والهياكل أما الروح فما تزال تقاوم بالكلمة واللحن والأغنية واللوحة والكاريكاتير والعلم والعمل. ومادامت الروح صامدة فستظل حضارتنا ومقوماتها في دمائنا ولن تسقط أبدا.

    سيمضي بوش وعصابته كما مضى غيرهم من الغزاة والمتاجرين بالحروب وسيستعيد العراق عافيته واستقلاله وستستعيد الإنسانية تحكمها في الأمم المتحدة وتنتصر روح الميثاق وحقوق الإنسان".

قال ساطع بمرارة يتحدث عن المعارضة العراقية:

    "دخلوا تحت راية الأمريكان يحملون سيف الانتقام. سرحوا مئات الآلاف من الإطارات والموظفين بحجة أنهم تعاونوا مع الديكتاتور. ومن في زمن الدكتاتورية يستطيع الرفض إلا قلة قليلة؟ إنهم يريدون اجتثاثهم جميعاً بكل حقد وغباء.

    العراق بحاجة إلى تضميد جراحه لا تعميقها، إلى المصالحة بين أبنائه وطوائفه جميعها. لا بد أن يحاسب المستبدون عما اقترفوه من جرائم، وليس كل الشعب. ولكن من يحاسبهم؟ الأمريكان؟ أم الذين دخلوا في حماية الأمريكان؟

من يحاسب من؟ الذين تعاونوا مع الدكتاتور أم الذين تعاونوا مع المحتل؟"

من رواية "حب في قاعة التحرير"                      

الورقة الحادية عشرة: الغابة